في السنوات الأخيرة ازداد اعتماد المواطنين والمقيمين على استخدام المياه المعبأة لاعتقادهم بجودتها ونظافتها وسلامتها فانتشرت مصانع ومعامل تعبئة المياه وتسابقت على جيوب وأفواه المستهلكين فهل هي فعلاً مصانع حقيقية يتم فيها تطبيق أعلى معايير الجودة والنظافة أم أن أغلبيتها معامل وأماكن بدائية تديرها عمالة متخلفة ومتسيبة ومتسترة تنشر الأمراض القاتلة بيننا في عبوات ملوثة؟ وهل الطرق المستخدمة لتعقيم المياه في هذه المصانع سليمة وآمنة وليس لها أضرار أم أنها تحتوي على مواد خطيرة قد تؤدي للإصابة بأمراض خطيرة قاتلة كالسرطان وغيره من الأمراض المستعصية؟
الإجابة المتوقعة من الجميع هي أن هذه المياه نظيفة وآمنة وتتم تعبئتها في مصانع كبيرة يتم فيها تطبيق أعلى معايير الجودة والنظافة وتشرف عليها وتراقبها جهات حكومية صارمة لا تتردد في إغلاقها وإتلاف مخزونها والتشهير بها إذا تبين أن في مياهها ما يمكن أن يسبب أي أضرار بصحتنا الغالية ولكن الإجابة الحقيقية المفجعة على هذه التساؤلات نجدها لدى عدد من المخلصين المتخصصين الذين حذروا كثيراً من عبوات المياه المنتشرة في أسواقنا والوسائل المستخدمة في تعقيمها وأجهزة تنقيتها.
حيث أكد الدكتور فهد الخضيري رئيس مركز أبحاث السرطان في مستشفى الملك فيصل التخصصي والعضو الفعال في مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية لمكافحة السرطان على خطورة بعض أجهزة تنقية المياه المستخدمة في المملكة.
كما حذر الدكتور محمد الطفيل رئيس قسم الأدوية والأعشاب والسموم بمستشفى الملك فيصل التخصصي من خطورة أغلبية المياه المعبأة في الملكة وأوضح أن عملية تنقية المياه بكميات عالية من الأوزون ينتج عنها مادة برومات البوتاسيوم المسرطنة وأكد صراحة أن 59% من مياه الشرب المعبأة محلياً تحتوي على نسبة عالية منها ولم يسمح بتوزيعها في دول الخليج وبعضها يحتوي على مواد خطيرة جداً مثل اليورانيوم المشع الذي يعد أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بالأمراض السرطانية المختلفة.
كما نشرت الصحف أن المياه المعبأة في ثمانين بالمائة من المصانع التي تم تفتيشها في مدينة جدة تحتوي على مواد خطيرة تؤدي إلى تليف الكبد والفشل الكلوي والنزلات المعوية وهذه المعلومات الخطيرة - إذا كانت دقيقة - تعني أن أغلبية المواطنين والمقيمين الأبرياء الغافلين الآمنين قد تناولوا بصفة دائمة مواد مسرطنة حمى الله بعضهم منها وقدر الله على بعضهم أن يصابوا بسببها بمرض السرطان الذي سبق أن حذر الدكتور فهد الخضيري بأن حالات الإصابة به في المملكة بلغت أربع أضعاف المعدل العالمي ورغم ذلك فمازالت هذه المصانع تسوق الموت والمرض في غفلة تامة من جهاتنا المعنية التي تغض الطرف عن تجاوزات المصانع الكبيرة وتكتفي بتنبيه خجول للمصانع البدائية.
والسؤال البريء الذي يوجهه مواطن بسيط مثلي يجهل حجم مصانع المياه وإمكاناتها ونفوذها وعلاقاتها ويجهل أسماء ملاكها الصوريين والحقيقيين وشركائهم وقدراتهم على ذر الرماد في العيون هو أنه ما دامت التحاليل المؤكدة قد أثبتت وجود مادة برومات البوتاسيوم المسرطنة في أغلبية المياه المعبأة في المملكة ووجود يورانيوم مشع في بعضها فلماذا يتم السماح بتسويقها حتى الآن ولماذا لا يتم منعها وإتلاف مخزونها وإعلان أسماء مصانعها وحماية ملايين الأبرياء من أضرارها؟
وإذا كانت هذه المعلومات المنقولة عن اثنين من كبار المتخصصين المتميزين غير دقيقة فإن الجهات المعنية ملزمة بنفيها وحماية سمعة مصانع المياه المعبأة.
أما إذا كانت هذه المعلومات دقيقة فإن صمت الجهات المعنية عنها جريمة تخفى دوافعها على حسن نية مثلي.